السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آخر أخبار قناة العربية

آخر موضوعات المدونة

2011-06-30

أحكام تخص المرأة المسلمة


أحكام تخص المرأة المسلمة
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن المرأة المسلمة مطالبة بالتفقه في أحكام دينها حتى تعبد الله على بصيرة، وتؤدي العبادات عن علم وفقه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ"، وقالت عائشة رضي الله عنها:"نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ"
وفي هذا المجلس المبارك سوف يكون حديثنا عن أحكام تخص المرأة وتحتاج إليها، فعسى أن تجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية ، وهذه الأحكام تشمل: الحيض والاستحاضة والنفاس والعدة والإحداد

أولاً الحيض:
قال تعالى: "وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"
والحيض هو دم طبيعة وجبلة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة، خلقه الله لحكمة غذاء الولد في بطن أمه، فإذا خلت المرأة من الحمل بقي لا مصرف له، فيستقر في مكانٍ من رحمها، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، وقد يزيد عن ذلك أو يقل حسبما ركبه الله من الطباع.
ومتى رأت المرأةُ الدم فهي حائض، ومتى طهرت منه فهي طاهر، ولو زاد عن عادتها أو نقص، أو تقدم، أو تأخر فقد علق الشارع أحكام الحيض على وجوده إلا أن يكون مستمراً على المرأة لا ينقطع، أو ينقطع مدة يسيرة فيكون استحاضة، وما تراه المرأة من نقاء يسير أثناء مدة الحيض فهو حيض، والكدرة والصفرة في أثناء الحيض حيض تثبت له أحكام الحيض، ولا تستعجل المرأة في الاغتسال من الحيض حتى تتأكد من تمام الطهر.
أخرج البخاري تعليقاً قال:"بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ"
والدرجة هي: القطنة التي تحتشي بها المرأة.  
وللحائض خلال حيضها وعند نهايته أحكام مفصلة في الكتاب والسنة منها:
أن الحائض لا تصلي ولا تصوم حال حيضها، فلو صامت الحائض أو صلت حال حيضها؛ لم يصح لها صوم ولا صلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن ذلك.
فإذا طهرت من حيضها؛ فإنها تقضي الصوم دون الصلاة بإجماع أهل العلم، قال عائشة رضي الله عنها:"كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" متفق عليه.
لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت، فرضه ونفله لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت:"افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي"، ولها أن تفعل أعمال الحج الأخرى مثل: السعي بين الصفا والمروة والمبيت بالمزدلفة ومنى ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة.
يحرم على الحائض المكث في المسجد.
يجوز للحائض الذكر والتكبير والتحميد والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن. ويجوز لها أن تقرأ القرآن لاسيما عند الحاجة مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى تلقين المتعلمات، أو في حال الاختبار، أو تخشى من نسيانه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أظهر قولي العلماء أنها -أي المرأة الحائض- لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه، كما هو مذهب مالك، وأحد القولين في مذهب الشافعي ويذكر رواية عن أحمد، فإنها محتاجة إليه، ولا يمكنها الطهارة كما يمكن الجنب"
ويحرم على الزوج وطؤها في الفرج حتى ينقطع حيضها وتغتسل، قال تعالى:"وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ"، ومعنى الاعتزال: ترك الوطء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ " رواه الجماعة إلا البخاري، وفي لفظ: "إلا الجماع"، ويجوز لزوج الحائض أن يستمتع منها بغير الجماع في الفرج؛ كالقبلة والضم واللمس ونحو ذلك
يحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها لقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ"؛ أي: طاهرات من غير جماع، وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ"، والطهر: هو انقطاع الدم، فإذا انقطع دمها؛ فقد طهرت، وانتهت فترة حيضها؛ فيجب عليها الاغتسال، وإن رأت بعد الطهر كدرة أو صفرة؛ لم تلتفت إليها؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: "كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا "رواه أبو داود وغيره
ويجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيس :"فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي"، وأقل واجب في الغسل أن تعم جميع بدنها حتى ما تحت الشعر والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: "تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَتْ أَسْمَاءُ وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ"

ثانياً: الاستحاضة:
وهي: استمرار الدم على المرأة بحيث لا ينقطع عنها أبداً، أو ينقطع عنها مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر.
وللمستحاضة ثلاث حالات هي:
الحالة الأولى: أن يكون لها حيض معلوم قبل الاستحاضة فهذه ترجع إلى مدة حيضها المعلوم السابق فتجلس فيها ويثبت لها أحكام الحيض وما عداها استحاضة يثبت لها أحكام المستحاضة. مثال ذلك: امرأة كان يأتيها الحيض ستة أيام من أول كل شهر ثم طرأت عليها الاستحاضة فصار الدم يأتيها باستمرار فيكون حيضها ستة أيام من أول كل شهر، فإذا انتهت؛ اغتسلت وصلت، واعتبرت الدم الباقي استحاضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة:"امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي" رواه مسلم
الحالة الثانية: إذا لم يكن لها عادة معروفة، لكن دمها متميز، بعضه يحمل صفة الحيض؛ بأن يكون أسود أو ثخيناً أو له رائحة، وبقيته لا تحمل صفة الحيض؛ بأن يكون أحمر ليس له رائحة ولا ثخيناً؛ ففي هذه الحالة تعتبر الدم الذي يحمل صفة الحيض حيضاً، فتدع الصلاة والصيام، وتعتبر ما عداه استحاضة، وتغتسل عند نهاية الذي يحمل صفة الحيض، وتصلي وتصوم وتعتبر طاهراً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش :"إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي"رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، ففيه أن المستحاضة تعتبر صفة الدم، فتميز بها بين الحيض وغيره
الحالة الثالثة: أن لا يكون لها حيض معلوم ولا تمييز صالح بأن تكون الاستحاضة مستمرة من أول ما رأت الدم ودمها على صفة واحدة أو على صفات مضطربة لا يمكن أن تكون حيضاً فهذه تعمل بعادة غالب النساء فيكون حيضها ستة أيام أو سبعة أيام– لأن هذه هي عادة غالب النساء- من كل شهر يبتدئ من أول المدة التي رأت فيها الدم وما عداه استحاضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش :"إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي وَصَلِّي فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
والحاصل مما سبق أن المعتادة ترد إلى عادتها، والمميزة ترد إلى العمل بالتمييز، والفاقدة لهما تحيض ستاً أو سبعاً.

أحكام المستحاضة:
أحكام المستحضة كأحكام الطهر فلا فرق بين المستحاضة وبين الطاهرات إلا فيما يأتي:
1- 
يجب عليها أن تغتسل عند نهاية حيضتها المعتبرة حسبما سبق بيانه.
2- 
تغسل فرجها لإزالة ما عليه من الخارج عند كل صلاة، وتجعل في المخرج قطناً ونحوه يمنع الخارج، وتشد عليه ما يمسكه عن السقوط، ثم تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة:"تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي" رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال:"حديث حسن" وقال صلى الله عليه وسلم:"أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ"، والكرسف القطن، ويمكن استعمال الحفائظ الطبية الموجودة الآن.

ثالثاً: النفاس وأحكامه.
النفاس: هو دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها ، وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل، وأكثر مدته عند الجمهور أربعون يوماً.
فإذا انقطع دم النفساء قبل الأربعين ؛ فقد انتهى نفاسها، فتغتسل وتصلي وتزاول ما منعت منه بسبب النفاس.
ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت الحامل ما تبين فيه خلق إنسان فعندها يصبح لها أحكام النفساء، أما لو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان، فليس دمها دم نفاس، والمدة التي يتبين فيها خلق الإنسان في الحمل ثلاثة أشهر غالباً، وأقلها واحد ثمانون يوماً.
وأحكام النفاس كأحكام الحيض فيما يحل ويحرم على التفصيل السابق.

رابعاً: العدة 
العدة هي: التربص المحدود شرعاً مأخوذ من العدد ؛ لأن أزمنة العدة محصورة مقدورة .
ودليلها من الكتاب ، قوله تعالى:"وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ"، وقوله تعالى:"وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ"، هذا بالنسبة للمفارقة في الحياة، وأما بالنسبة للوفاة، فقال تعالى:"وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".

والحكمة من العدة: هي استبراء رحم المرأة من الحمل؛ لئلا يحصل اختلاط الأنساب، وإتاحة الفرصة للزوج المطلق ليرجع إذا ندم وكان الطلاق رجعياً، وتعظيم عقد النكاح، وبيان أن له حرمة، وتعظيم حق الزوج المطلق، وفيها أيضاً صيانة حق الحمل فيما لو كانت المفارقة حاملاً.
والعدة تلزم كل امرأة فارقت زوجها بطلاق أو خلع أو فسخ أو مات عنها؛ بشرط أن يكون الزوج المفارق لها قد خلا بها وهي مطاوعة مع علمه بها وقدرته على وطئها سواء كانت الزوجة حرة أو أمة وسواء كانت بالغة أو صغيرة يوطأ مثلها .
وأما من فارقها زوجها حياً بطلاق أو غيره قبل الدخول بها؛ فلا عدة عليها؛ لقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا".
وأنواع المعتدات على سبيل الإجمال ست: الحامل، والمتوفى عنها زوجها من غير حمل منه، والحائل التي تحيض وقد فورقت في الحياة، والحائل التي لا تحيض لصغر أو إياس وهي مفارقة في الحياة ، ومن ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه، وامرأة المفقود.
فالحامل: تعتد بوضع الحمل؛ سواء كانت مفارقة في الحياة أو بالموت ؛ لقوله تعالى:"وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ".
والمتوفى عنها إذا كانت غير حامل: تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ، سواء كانت وفاته قبل الدخول بها أو بعده ، وذلك لقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً".
والمطلقة إذا كانت تحيض، ولم يكن فيها حمل؛ تعتد بثلاث حيض؛ لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ".
وأما المطلقة الآيسة من الحيض لكبرها، والصغيرة التي لم تحض بعد، فإنها تعتد بثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى:"وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ".

خامساً: الإحداد  
الإحداد يترتب عليه أحكام بالنسبة للمرأة وهي:
أ- اجتناب الطيب فيحرم على المرأة استعماله في ثيابها وبدنها كما جاء في الحديث :"ولا تمس طيباً " وهذا محل اتفاق .
ب – اجتناب الزينة من الخضاب والامتشاط والاكتحال، ولبس الحلي وثياب الزينة ونحو ذلك من دواعي الزينة، فعن أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ".
وعن أم سلمة :"لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ..."
ج- يجب على المرأة المعتدة أن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض أو شراء حاجتها من السوق إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك. فعن فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ فَقَتَلُوهُ. قَالَتْ: "فَسَأَلْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً, فَقَالَ: "نَعَمْ". فَلَمَّا كُنْتُ فِي اَلْحُجْرَةِ نَادَانِي فَقَالَ:"اُمْكُثِي فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَبْلُغَ اَلْكِتَابُ أَجَلَهُ". قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ: فَقَضَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عُثْمَانُ"
هذا .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد ومن اتبع هداه إلى يوم الدين
.

2011-06-29

كلمات كالطَّيف في وقفات مع الصيف

كلمات كالطَّيف في وقفات مع الصيف










إن الحمد لله نحمده ....
الخطبة الاولى:
...أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، فتقوى اللهِ وصيةُ اللهِ للأوّلين والآخرين، التقوى مستمسك الصالحين، وسبيل النجاة في الدنيا ويوم الدين.أيها المؤمنون،نعيش هذه الأيام موعظةً بليغة ودروسًا عظيمة، يشهدها الأعمى والبصير، ويدركها الأصم والسميع،إلاّ أنها لا تُؤتي أُكلها إلاّ حين تصادف من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد. نعيش هذه الأيام مع واعظ الصيف،فهل أصغت قلوبنا لموعظته؟! وهل وعينا درسه؟! هلمّ فلنقف قليلاً مع الصيف وما يحمل من عبر.مَن مِنا الذي لم يؤذه حر الصيف، ولا لفح وجهَهُ سَمومُه؟! كلنا وجد من ذلك نصيبًا قل منه أو كثر،فأيُّ شيءٍ تعلمناه من الحر؟روى الشيخان وغيرهما أنه عليه الصلاة والسلام قال:(إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ـ أي:أخروها حتى يبرد الجوّ ـ، فإن شدة الحر من فيح جهنم)،وعند ابن ماجهْ بإسناد صحيح قال عليه الصلاة والسلام: (اشتكت النار إلى ربها فقالت:يا رب أكل بعضي بعضًا،فجعل لها نَفَسين:نَفَسٌ في الشتاء، ونَفَسٌ في الصيف،فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها،وشدة ما تجدون من الحر من سمومها).أيها الأحبة،إنّ شدة الحر التي يجدها من وقف حاسر الرأس حافي القدمين في حرِّ الظهيرة ما هي إلاّ نَفَسٌ من فيح جهنم،نعوذ بالله منها ومن حرها،كان من دعائه عليه الصلاة والسلام:(اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر،ومن فتنة الدجال،ومن فتنة المحيا والممات،ومن حرِّ جهنم).في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم قال:(ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم)،قالوا:والله إن كانت لكافية!قال:(إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها). فحقٌ على العاقل أن يسأل نفسه وهو يتقي حرّ الدنيا:ماذا أعدّ لحرِّ الآخرة ونارها؟ يا من لا يصبر على وقفة يسيرة في حرِّ الظهيرة،كيف بك إذا دنت الشمس من رؤوس الخلق،وطال وقوفهم،وعظم كربهم،واشتد زحامهم؟!روى الإمام مسلم عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله رضي الله عنه يقول:(تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل،فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق،فمنهم من يكون إلى كعبيه،ومنهم من يكون إلى ركبتيه،ومنهم من يكون إلى حقويه،ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا)،قال:وأشار رسول الله بيده إلى فيه.تلكم نارُ الآخرة،وذاك حرُّ الموقف،فأين المتقون؟! "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"اللهم إن أجسادنا لا تقوى على النار،فأجرنا منها يا رحيم.رأى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قومًا في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل،وتوقوا الغبار،فأبكاه حال الإنسان يألف النعيم والبهجة،حتى إذا وُسِّد قبره فارقهما إلى التراب والوحشة، وأنشد:
من كان حين تُصيبُ الشمسُ جبهته أو الغبارُ يخافُ الشَيـنَ والشَعثـا
ويألف الظــلَّ كي تبــــــقى بشاشته فسوفَ يسكنُ يومـًا راغمًا جدثًا
في ظــل مُقــــــفرةٍ غبـراءَ مظلمةٍ يُطيلُ تحت الثرى في غمها اللبثا
تجهــــــزي بجهــاز تبلغــــيـن بـه يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثـا
أيها المؤمنون، لئن كنّا نتقي الحرَّ بأجهزة التكييف والماء البارد والسّفر إلى المصائف،وكلّ هذه نعمٌ تستوجب الشّكر،فهل تأمّلنا وتفكّرنا كيف نتّقي حرَّ جهنّم؟ كيف ندفع لفحها وسمومها عن أجسادنا الضعيفة ووجوهنا المنعمة؟يقول رضي الله عنه:(من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حرَّ جهنم عن وجهه سبعين خريفًا).صيام الهواجر ومكابدة الجوع والعطش في يوم شديدٍ حرُّه بعيدٍ ما بين طرفيه،ذاك دأب الصالحين وسنة السابقين،والمحروم من حُرم.يقول أبو الدرداء رضي الله عنه:(صوموا يومًا شديدًا حرّه لحرّ يوم النّشور، وصلّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظلمة القبور).أيها المؤمنون،إن من أعظم ما يُدفع به العذاب وتُتقى به النار الاستكثار من الحسنات والتخفف من السيئات،فذاك هو الزاد،وتلك هي الجُنّة،واللهِ لَلَّه أرحم بنا من أمهاتنا،ولكنه يريد التائب المقبل المنيب.عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله رضي الله عنه في بعض أسفاره،في اليوم الحار الشديد الحر،وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله رضي الله عنه وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه..خرج ابن عمر رضي الله عنهما في سفر معه بعض أصحابه، فوضعوا سفرة لهم، فمر بهم راعٍ،فدعوه إلى أن يأكل معهم، فقال:إني صائم، فقال ابن عمر:في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟! فقال:أُبادر أيامي هذه الخالية. فهلم ـ عباد الله ـ نبادر أيامنا الخالية،حتى تلتذ أسماعنا،وما ألذه من مقال، يوم يُقال:"كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ".لما مرض معاذ بن جبل رضي الله عنه:مَرَضَ وفاته قال في الليلة التي تُوفي فيها:أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النار،مرحبًا بالموت،حبيبًا جاء على فاقة،اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك،اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار،ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الليل ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَقِ الذكر.هنيئًا لك ـ يا معاذ ـ أن يكون هذا أسفك على الدنيا،وهذا حزنك على فراقها.أيها المؤمنون،لنغتنم صيفنا بالطاعات،ولنستزد فيه من الحسنات،حذار حذار أن تُقعدنا عن المبادرة إلى الخير، نفوسٌ تعاف الحرَّ، وتحبُ الراحة،فنندم يوم لا ينفع الندم.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية: 
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: يقف بنا واعظ الصيف في موعظته مع ذلك الخلق العجيب وتلك الآية العظيمة؛الشمس.الشمس بحجمها الهائل وحرارتها ولهبها ودخانها تسجد بين يدي ربها مذعنة ذليلة،أخرج الإمام أحمد في المسند والبخاري في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال:كنت مع رسول الله رضي الله عنه في المسجد حين غربت الشمس فقال:(يا أبا ذر، أتدري أين تذهب الشمس؟) قلت:الله ورسوله أعلم،قال:(فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها،فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها،ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها،وتستأذن فلا يؤذن لها،يقال لها ارجعي من حيث جئت،فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى:﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾
لقد استجاب الكون كله لله، سماؤه وأرضه،النجوم والأشجار،الجبال والبحار،الزروع والأنهار،الكل لبّى مطيعًا مذعنًا خاشعًا خائفًا مسبحًا مهللاً لله،جل الله وتبارك الله،وتعالى الله،﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾،﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"،﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾،﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ "يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾،﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ﴾.أجزاء الكون كلها تُعلن الوحدانية لمن خلقها، تدين بالطاعة لمن فطرها، تسبح ربها، فلماذا تلكّأَ الإنسانُ عن الاستجابة؟! لماذا يخالف الكونَ كلَّه ويتمرد وهو المخلوق الضعيف، فيعصي العظيم الجليل سبحانه،يتجرأ على ربه، وهو ذرة صغيرة في هذا الملكوت الطائع؟! ليتنا نلبي طائعين منيبين مخبتين، ليتنا نَقدُر الله حقَ قدره.
يتمنى المرء في الصيف الشتاء……فإذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحـد……قتل الإنسان ما أكفره

بقلم أ عبد النور خبابة 
سألقيها الجمعة القادم إن شاء الله تعالى بمسجد صهيب الرومي ببرج الغدير

2011-06-26

كيف يستفيد أولادنا من العطلة؟


كيف يستفيد أولادنا من العطلة؟
إن العطلة الصيفية تُعَدُّ هاجسا يؤرق مضاجع الآباء والأولاد على السواء، فالولد يحتار كيف يقضي عطلته، والوالد يصاب بالمخاوف والقلق، فهو يخاف على ولده من الانحراف والضياع، ومن التفاف أصحاب السوء، ولصوص الأوقات الذين يتخذون من العطلات فرصة للإفساد والإضلال، لأنه مع تلك الصحبة، تبدأ مسيرة السقوط والتردي إلى الهاوية، تبدأ مسيرة التدخين، ومسيرة المُسْكِرات والمخدرات، ومسيرة العلاقات المحرمة، ومسيرة الفشل الدراسي، والانحطاط السلوكي، ومسيرة الغفلة عن طريق الخير وعن الاستقامة، فيتساءل الآباء: كيف السبيل إلى تجنيب أولادهم هذا المصير الخطير؟ وكيف نحميهم من الأشرار؟
  • أيها الآباء، أيتها الأمهات: إنّ الأولاد نعمة من الله ومنحة، فلا نجعلها نقمة ولا مِحْنة، فاعتنوا بتربية أولادكم، فإنه من الواجبات، قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".
  • فأرشدوا أولادكم إلى الخير، وعلموهم كيف يستغلون أوقاتهم بما ينفعهم وينفع الأمة، وذلك بإرشادهم إلى تلاوة وحفظ القران الكريم كله أو ما تيسر منه، وبقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبالأخص الأربعين النووية، ودراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام ليأخذوا منها القدوة والأسوة الحسنة، رغِّبُوهم في حضور حلقات العلم النافعة، حيث يرفعون مستواهم العلمي في الدين (تحسين الوضعية الدينية).
  • وهذه مجموعة نصائح توجيهية في مسيرة التربية، من كان يعلمها ويُطَبِّقها فهو على خير، ومن أدرك شيئا منها فليتابع فيها.
  • 1 - الدعاء بصلاح الزوجة، والذرية كما هو شأن عباد الرحمن "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما".
  • واحذر ـ يا عبد الله ـ أن تدعو على أولادك بالسوء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم" رواه مسلم.
  • وقد جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك رحمه الله، فشكا ولده، فقال له ابن المبارك: هل دعوت عليه؟ قال: نعم، فقال: أنتَ أفسدتَه. ومن وسائل إصلاح الأولاد رُقْيتُهم.
  • 2 - تحسين أسماء الأولاد، واجتناب أسماء الكفرة، والمشاهير من الفجرة.
  • 3 - تعليمهم الإسلام الصحيح، والتوحيد الصريح، وتحذيرهم من الشرك بكل أنواعه قال تعالى: "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم"، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لابن عباس: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" رواه أحمد.
  • 4 - أمرهم بالصلاة، كما قال تعالى: "وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود.
  • 5 - تعليمهم الأخلاق الحسنة، والآداب الفاضلة، مثل: إفشاء السلام، واحترام الجار، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير، وغض البصر عن المحرّمات، والابتعاد عن التدخين والمخدرات، والغيبة والنميمة، والسخرية بالآخرين، وترك سماع الموسيقى والأغاني، وخاصة أغاني العشق والحب والهيام والغرام، التي ابتُلِيَ بسماعها كثير من الناس، وهي محرمة في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريمها.
  • 6 - تحذيرهم من التشبيه بالكافرين والفاسقين في اللباس، والمشية، وترتيب الشعر، وغير ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين". لماذا؟ لكي تكون للمؤمن شخصية متميزة، بحيث إذا رأى الناس المسلم، تذكّروا الله تعالى، ورأوا الإسلام في أخلاقه وهيئته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولياء الله تعالى الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله".
  • 7 - استغلال الوقت بالعمل البدني المفيد، مما أباحهُ الله تعالى.
  • 8 - ممارسة الرياضة النافعة، كالسباحة، وركوب الخيل، وتعلم الرماية، وغير ذلك من الرياضات النافعة، شرط عدم مخالفة شيء من ذلك للشريعة الإسلامية، مثل كشف العورات، أو الاختلاط بين الرجال والنساء، أو تضييع الصلوات.
  • 9 - القيام برحلة مفيدة نافعة مع أصحاب صالحين، كالذهاب إلى العمرة، أو زيارة الأرحام والأقارب، مع الحذر من الذهاب إلى الأماكن المشبوهة، والبلاد الفاسدة، والبيئة السيئة، حيث تنتشر الرذائل.
  • 10 - أن يكون الوالدان قدوة صالحة للأولاد، فيا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات، لا تخالفوا أوامر الله، وخاصة أمام الأولاد، فإنهم يتأثرون بأعمالكم أكثر من أقوالكم.
  • 11 - تحذير الأولاد من التطرف والتشدّد، ومن أصحاب الأفكار الخطيرة المخالفة للدين الإسلامي الصحيح، الذين يرمون بالشباب في المهالك باسم الدين وباسم الجهاد، فعليكم أن توجهوا أولادكم إلى العلماء الكبار في العلم، لا الكبار في السن فقط، الذين يعلِّمون الشباب الحكمة والتعقل، ويحذرونهم من الطيش والتهور، فقد قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "البركة مع أكابركم" رواه ابن حبان.
  • وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون" رواه مسلم. وقال: صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" رواه أحمد.
  • 12 - تحذيرهم من  التسيب، وتضييع الدِّين، وتعليمهم الوسطية، كما قال تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". أيها الشاب ، تذكر ـ بالاختبارات وانتظار النتائج ـ امتحانَ الآخرة، فاغتنم أيامك واستثمر أوقاتك في اكتساب الدرجات، كما اجتهدت في اكتساب درجات العلوم في الدنيا. قال الله تعالى: "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفصيلا". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره: فيم أفناه؟ وعن شبابه: فيم أبلاه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم" رواه الترمذي وغيره 
كتبه : أبو سعيد بلعيد بن أحمد الجزائري